اختناق النمو: الأثر الاقتصادي لازدحام حركة السير في الرياض
بقلم د. محمد المكرمي – خبير اقتصادي
تُعد مدينة الرياض قلب الاقتصاد السعودي ومركزاً حيوياً للأعمال والاستثمار، ومع النمو السكاني والعمراني المتسارع، أصبح ازدحام حركة السير أحد أكبر التحديات اليومية، متحولاً من مجرد مشكلة اجتماعية إلى معوق رئيسي لنمو وكفاءة عجلة الاقتصاد، إن الخسائر الناتجة عن هذا الازدحام تُقاس ليس فقط بالوقت الضائع، بل بهدر الأموال وضياع الفرص الاستثمارية.
أولا: التكلفة المباشرة وغير المباشرة للازدحام
يؤثر الازدحام المروري على الناتج المحلي الإجمالي للمدينة من خلال عدة قنوات:
هدر الإنتاجية ووقت العمل
الوقت هو المورد الأثمن في الاقتصاد الحديث. عندما يقضي الموظف (سواء كان مديراً، مهندساً، أو فنياً) ساعتين إضافيتين يومياً في التنقل، فإن هذا الوقت يُخصم مباشرة من ساعات عمله الفعالة أو راحته اللازمة للإنتاجية.
يؤدي الضغط والإجهاد الناتج عن الازدحام إلى وصول الموظفين إلى مقار عملهم في حالة إرهاق، مما يقلل من تركيزهم وقدرتهم على اتخاذ القرارات السليمة.
تتعرض حركة الشحن والتوصيل الداخلي للتأخير المستمر، مما يرفع تكاليف التخزين والنقل ويُضعف قدرة الشركات على الالتزام بالجداول الزمنية، وهو ما يضر بالقطاع الصناعي والتجاري على حد سواء.
الهدر المالي والبيئي
يتجسد الضرر الاقتصادي بشكل مباشر في:
استهلاك الوقود: إهدار كميات هائلة من الوقود (بنزين وديزل) نتيجة توقف وتشغيل المركبات المتكرر، وهو ما يرفع التكلفة التشغيلية للشركات والأفراد.
صيانة المركبات: زيادة تآكل المركبات وحاجتها للصيانة المتكررة، مما يشكل عبئاً مالياً إضافياً على الشركات التي تعتمد على أساطيل النقل.
ثانيا: الإجراءات التنظيمية وعزل التقنية
تفاقم بعض الإجراءات التنظيمية الحالية مشكلة الازدحام بدلاً من حلها، خاصة تلك التي لا تستفيد من التكنولوجيا المتاحة.
إغلاق مداخل الطرق السريعة يفاقم الأزمة
تُعد عملية إغلاق مداخل الطرق السريعة الرئيسية أو الجسور بواسطة سيارات شرطة أو حواجز ثابتة إجراءً تنظيمياً قديماً يهدف إلى التحكم في تدفق الحركة، ولكنه في الواقع يتسبب في:
الزحام المُنظَّم: بدلاً من توزيع الضغط المروري، يتم خلق “اختناق مصطنع” عند نقاط الدخول، مما يؤدي إلى تراكم هائل للمركبات على الطرق الفرعية ومداخل الأحياء.
تضييع الوقت وهدر الفرص: يؤدي هذا التأخير غير المبرر إلى تضييع مواعيد العمل، وتأخير الاجتماعات التجارية الحاسمة، بل وقد يتسبب في ضياع فرص استثمارية أو عقود تجارية تتطلب سرعة استجابة أو حضوراً في الموعد المحدد.
غياب البيانات الذكية يزيد الطين بلة
تكمن المشكلة الكبرى في عدم دمج أو قراءة هذه الإجراءات عبر أنظمة التتبع (GPS) والملاحة الذكية.
تضليل المستخدمين: لا تستطيع تطبيقات الملاحة (مثل Google Maps أو Waze) قراءة أن هذا الإغلاق مؤقت أو يدوي، مما يدفعها إلى توجيه سائقين آخرين إلى مسارات بديلة تصبح بدورها مزدحمة ومختنقة.
عدم الكفاءة الإدارية: إن إغلاق طريق دون إبلاغ مركز التحكم المروري المركزي أو دمج البيانات مع التقنية الحديثة يدل على عزل بين الجهات المنظمة والأنظمة التقنية، مما يجعل إدارة حركة السير عملية رجعية بدلاً من أن تكون استباقية وذكية.
ثالثا: التوصيات للتحول الاقتصادي المروري
لتحويل تحدي الازدحام إلى دافع للنمو، يجب تبني حلول متكاملة تدمج التخطيط العمراني بالتقنية:
تبني أنظمة التحكم المروري الذكي (Adaptive Traffic Control): استخدام أجهزة استشعار وكاميرات متقدمة لتغيير توقيت إشارات المرور آلياً بناءً على كثافة الحركة اللحظية، مما يزيد من كفاءة الشوارع الرئيسية.
دمج الإجراءات التنظيمية بالتقنية: يجب على الجهات الأمنية والمنظمة ربط أي تغيير في حالة الطرق (إغلاق، تحويل، حوادث) فوراً بنظام مركزي موحد تتغذى منه جميع تطبيقات الملاحة، لضمان توجيه السائقين بناءً على معلومات دقيقة ومحدثة.
تفعيل النقل العام المتعدد الوسائط: دعم وتوسيع شبكات النقل العام (كالمترو والحافلات) لتقليل الاعتماد على المركبات الخاصة، مما يخفف الحمل عن الطرق ويضمن وصول الأفراد للعمل بكفاءة.
إن مكافحة الازدحام المروري ليست رفاهية، بل هي ضرورة اقتصادية قصوى لضمان قدرة الرياض على المنافسة عالمياً وتحقيق أهداف التنمية المستدامة ورؤية المملكة 2030.
صحيفة عكاظ اليوم ، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة السعودية، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار العالمية و المحلية، الاقتصاد، تكنولوجيا ، فن، أخبار الرياضة، منوعات و سياحة.
