استشاري لـ”اليوم”: اضطرابات النوم لدى الأطفال مرآة تعكس معاناتهم النفسية

أكد استشاري الطب النفسي الدكتور عزت عبدالعظيم، أن اضطرابات النوم التي تصيب الأطفال لا تُعد مجرد مشكلات عابرة أو سلوكيات وقتية، بل هي في الغالب مرآة تعكس الحالة النفسية الداخلية للطفل، وما يواجهه من ضغوط وصراعات نفسية أو أسرية أو اجتماعية أو دراسية، قد لا يستطيع التعبير عنها بالكلام، فتظهر في شكل اضطرابات ليلية مختلفة مثل التبول اللاإرادي، والمشي أو الكلام أثناء النوم، وطحن الأسنان، والكوابيس أو نوبات الفزع الليلي.

ويقول د. عبدالعظيم في حديثه لـ”اليوم”إن هذه الاضطرابات تمثل رسائل غير مباشرة من الطفل، تدعو الأهل إلى الانتباه لحالته النفسية، وعدم التعامل مع تلك الأعراض على أنها مجرد سلوكيات مزعجة، بل كمؤشرات إلى خلل عاطفي أو ضغوط داخلية تحتاج إلى تفهّم وعلاج.

ويشير إلى أن التبول اللاإرادي أثناء النوم، أو ما يُعرف بمشكلة“تبلل الفراش”، يُعد من أبرز هذه الاضطرابات، موضحًا أن الأطفال عادةً يكتسبون السيطرة على المثانة بين سن الثالثة والخامسة، لكن استمرار التبول بعد السابعة يستدعي التدخل العلاجي، لأنه غالباً ما يكون مرتبطاً بعوامل نفسية، أو نتيجة نوم عميق يجعل الطفل غير قادر على الاستيقاظ عند امتلاء المثانة.

العقاب البدني أو النفسي

ويحذر الدكتور عزت من أساليب العقاب البدني أو النفسي، مثل التوبيخ أو الضرب، لأنها تؤدي إلى تعميق الإحباط والاكتئاب لدى الطفل.

ويرى أن الحل يكمن في الدعم النفسي، والتشجيع، وتقليل السوائل قبل النوم، مع العلاج السلوكي والنفسي الذي يساعد على التخلص من المشكلة خلال بضعة أشهر.

أما عن المشي أثناء النوم، فيصفها بأنها حالة تثير قلق الأهل لما قد تحمله من مخاطر جسدية، إذ قد ينهض الطفل من فراشه ويتجول في أرجاء المنزل أو خارجه وهو في حالة نوم، دون وعي بما يفعل، ثم يعود إلى سريره من جديد دون أن يتذكر ما حدث.

وتبلغ نسبة انتشار هذه الحالة نحو 12٪ بين الأطفال، وغالباً ما ترتبط بفترات التوتر أو المشكلات العائلية. ورغم أن أغلبها يختفي مع تقدم العمر، إلا أن الدكتور عزت ينصح بعدم إهمال الحالة، وعرض الطفل على الطبيب النفسي أو العصبي للتأكد من الأسباب ووضع خطة علاج مناسبة.

فترات الأزمات النفسية

كما يتطرق د. عبدالعظيم إلى الكلام أثناء النوم، مشيرًا إلى أنه سلوك شائع بين الأطفال، لكنه يسبب إزعاجًا لمن يشاركهم الغرفة، وغالباً ما يتفاقم في فترات الأزمات النفسية. وعلى الرغم من أنه لا يشكّل خطورة، إلا أن استشارة الطبيب تبقى ضرورية لتحديد الأسباب الكامنة وطمأنة الأسرة.

وفيما يتعلق بحالة طحن الأسنان أثناء النوم، أوضح أنها مشكلة قد تسبب آلامًا في الفكين وتآكلاً في الأسنان، وغالباً ما تكون مرتبطة بالقلق أو التوتر النفسي.

ويؤكد أن العلاج لا يقتصر على الجوانب الطبية للأسنان، بل يجب معالجة الجانب النفسي المسبب للتوتر حتى تزول الحالة بشكل نهائي.

أما الكوابيس الليلية، فهي من أكثر الاضطرابات شيوعاً بين الأطفال، وتحدث نتيجة الخوف أو القلق أو التعرض لمشاهد عنيفة، سواء عبر الأفلام أو القصص أو حتى في بيئة الطفل اليومية.

الفزع الليلي عند الأطفال

ويقول د. عبدالعظيم إن الطفل الذي يعاني من كوابيس متكررة غالباً ما يكون مثقلاً بضغوط أسرية أو دراسية، داعيًا إلى تجنب العقاب قبل النوم، والحرص على تهدئة الطفل ومنحه الإحساس بالأمان، إلى جانب الابتعاد عن المحتوى المرعب في أوقات المساء. وإذا استمرت الحالة، فيجب مراجعة الطبيب النفسي لتقييمها وعلاجها مبكرًا.

ويصف الفزع الليلي بأنه من أخطر اضطرابات النوم، إذ يستيقظ الطفل في منتصف الليل وهو في حالة من الصراخ والذعر الشديد، دون وعي أو استجابة لمحاولات التهدئة، ثم يهدأ ويعود للنوم، بينما لا يتذكر شيئًا في الصباح. ويرى أن هذه النوبات قد تكون مرتبطة بزيادة في النشاط الكهربائي للمخ «صرع كامن»، ما يستدعي إجراء تخطيط كهربائي للمخ للتأكد من التشخيص ووضع العلاج المناسب.

ويختتم استشاري الطب النفسي حديثه بالتأكيد على أن اضطرابات النوم عند الأطفال ليست مجرد ظاهرة عرضية، بل مؤشر عميق على حالتهم النفسية، فحين يعجز الطفل عن التعبير بالكلام، يتحدث جسده وسلوكه بدلاً منه. لذا يجب على الأهل أن يمنحوا أبناءهم الاحتواء والاهتمام والطمأنينة، وأن يسارعوا إلى استشارة الأطباء النفسيين عند ملاحظة أي اضطراب مستمر، لأن راحة الطفل النفسية تنعكس مباشرة على استقراره وسعادته وسلوكياته اليومية.

ويقول:“أطفالنا هم مرآتنا في هذه الحياة، وراحتهم النفسية هي امتداد لسكينتنا وسعادتنا. ومن واجبنا أن نمنحهم الأمان قبل النوم، والطمأنينة في اليقظة، حتى يناموا بسلام ويحلموا بأمان”.