افنان اليافعي تتحدث عن العنصرية وأضرارها في حوار شيق لصحيفة (عكاظ اليوم)
في عالم تتطور فيه وسائل التواصل يومًا بعد يوم، لا يزال هناك شعور قديم ومؤلم يتسلل إلى القلوب دون استئذان: العنصرية. هي ليست مجرد سلوك عابر أو رأي قابل للنقاش، بل هي ظاهرة صلبة تشبه الظل، تسير خلف ضحاياها أينما ذهبوا، تهمس في الأذن بكلمات جارحة، وتغرس في النفس إحساسًا غريبًا بالغربة، حتى وسط الأهل والوطن.
وفي هذا الحوار المختلف، تفتح لنا (أفنان اليافعي) قلبها وتتحدث بكل شفافية لصحيفة (عكاظ اليوم) عن تجربتها الشخصية مع العنصرية، بعيدًا عن التنظير والمجاملات، كلماتها ليست مصقولة بصياغة إعلامية، بل نابعة من مشاعر حقيقية وإنسان خاض التجربة وتحمّل ثقلها.
من مواقف جارحة وعبارات قاسية، إلى إدراك عميق بأن العنصرية ليست رأيًا بل ظلمًا ممنهجًا، تأخذنا في رحلة داخل مفاهيمها، وتكشف كيف بدأت هذه الظاهرة، ولماذا تستمر، وما هو دور كل فرد في مواجهتها، سواء من خلال التربية، الإعلام، أو حتى في لحظة موقف بسيط.
هذا الحوار ليس مجرد حديث عن “قضية”، بل هو نداء إنساني عفوي من فتاة رفضت أن تكون ضحية صامتة، وقررت أن تواجه التمييز بالصوت والوعي والموقف إنها دعوة لأن نفتح أعيننا أكثر، ونراجع أنفسنا بصدق، لأن المجتمعات لا تُبنى على الكره، بل على العدالة، التقدير، والرحمة.
ماذا تعني العنصرية بالنسبة لكي؟
بالنسبة لي، العنصرية هي أصل كل الشرور، لأنها تبدأ بكلمة، بس تنتهي بأذية وظلم. لما الواحد يحكم على غيره بس من لونه أو أصله أو شكله، كأنه يشوف نفسه أحسن، وهذا أكبر باب للكبر والتفرقة والكره.
هل مر عليكي موقف عنصري من قبل؟ وما هو شعورك وقتها؟
إيه، مرت علي مواقف عنصرية كثيرة، ويمكن أكثر مما الناس تتخيل. فيه مواقف تنقال في الوجه، وفيه اللي يحاول يضحك عليك أو يقلل منك كأنك أقل منهم، بس عشان شكلك أو أصلك أو جنسك. هالنوع من التصرفات يجرح، يقهر، يخليك تحس إنك غريب حتى وأنت ببلدك. موقفي من العنصرية واضح: أرفضها تمامًا، وما أسكت عنها. لأن السكوت عنها يخلّيها تكبر.
هل تجدي أن العنصرية موجودة بكثرة في مجتمعنا؟ ولا مبالغ فيها؟
إيه، موجودة وبكل وضوح، حتى لو ناس تحاول تنكر. ويمكن لأنها صارت شي ‘عادي’ عند البعض، الناس ما عاد تحس فيها أو تتكلم عنها، الإعلام قليل ما يطرح هالمواضيع بجدّية، مع إن المفروض يكون له دور في التوعية. العنصرية قاعدة تكسر في الناس بصمت، ولازم الكل يعرف إنها مو شي بسيط أو يُسكت عنه.
تتوقعي ما هو السبب الذي يجعل بعض الناس يتصرفون بعنصرية؟
أشوف إن السبب الرئيسي هو الجهل، والتكبر، والغرور. لو نرجع لقصة آدم وإبليس اللي الله ذكرها في القرآن، نلقى إن أول عنصرية عرفها الخلق كانت من إبليس. يوم الله أمره يسجد لآدم، رفض، مو لأنه ما فهم، لكن لأنه شاف نفسه أحسن. قال: ‘أنا خيرٌ منه، خلقتني من نار وخلقته من طين’… وهنا بداية الغرور والعنصرية.
ومن ذاك اليوم، وإبليس يحاول يزرع هالشعور في قلوب البشر: كره، تمييز، حسد… لأنه هو بنفسه حُرم من الجنة بسبب عنصريته، والحين قاعد يجر الناس معاه لطريق الهلاك. فالعنصرية مو بس سلوك سيئ، هي جزء من مكر إبليس.
تتوقعي العنصرية تبدأ من البيت؟ ام من التربية؟
ممكن تبدأ من البيت، وممكن من المجتمع، بس أنا أشوف إن العنصرية أول شي تبدأ من الشخص نفسه. لأن حتى لو تربى في بيئة فيها تمييز، يظل عنده عقل وضمير يقدر يميّز الصح من الغلط. فيه ناس انولدوا في بيئة عنصرية، بس كبروا ورفضوا هالفكر، وفيه ناس اختاروا يكونون عنصريين حتى لو ما تعلموها من أهلهم. فكل إنسان مسؤول عن تصرفاته، وما فيه عذر حقيقي يخليه يبرر الكره أو التمييز.
كيف تتصرفين لما تشاهدي أحدا يتصرف بعنصرية قدامك؟
أرفضها رفض تام، وما أسكت أبد. مريت بمواقف قدامي ناس تصرفت بعنصرية، وتدخلت على طول، لأني ما أقدر أشوف ظلم وأسكت، العنصرية مو رأي، هي إساءة وظلم، والسكوت عنها يخليها تستمر. حتى لو ما كان الموضوع يخصني، أحس من واجبي أوقف الموقف، لأن الساكت عن الحق شريك فيه.
تتوقعي أنه يوجد حل للعنصرية؟ ولا دايما تظل موجودة؟
من وجهة نظري، فيه حل، بس لازم نشتغل عليه. أول شي لازم الإعلام يسلّط الضوء على هالموضوع ويوعي الناس، لأن كثير يمرون بتصرفات عنصرية وهم حتى ما يدرون إنها عنصرية. وثاني شي لازم تكون فيه قوانين صارمة تعاقب اللي يتصرف بهالطريقة. لأن اللي ما عنده رادع إنساني، لازم يكون له رادع قانوني.
هل وسائل التواصل ساعدت تقلل العنصرية ولا زادتها؟
أنا أشوف إن وسائل التواصل ما خلقت العنصرية، لكنها فضحتها. العنصرية كانت موجودة من زمان، بس السوشال ميديا كشفتها وخلتنا نشوفها بوضوح أكثر. صارت الناس تتكلم، توثق، وتفضح التصرفات اللي كانت تصير بالخفاء. بس بنفس الوقت، فيه ناس تستغل هالمنصات لنشر الكراهية، فالموضوع له وجهين… يعتمد كيف نستخدمها. بس على الأقل، الحين ما عاد فيه مجال للإنكار.
ماذا تقول لشخص عنصري لو صار قدامك؟
أقول له: أنت عايش في جهل وظلام، لأنك تظن إنك أحسن من غيرك، والحقيقة إن الله خلقنا كلنا سواسية، ما فيه أحد أفضل من أحد. لو تشوف نفسك أعلى من الناس، فصدقني، أنت ماشي في نفس طريق إبليس… شايل بقلبك كره وحسد، وما تتمنى الخير إلا لنفسك، وبتخسر كل شي حلو بالحياة. لأن الفطرة اللي خلقنا الله عليها هي الرحمة، والاحترام، وحب الخير للناس، مو التكبر والتمييز. فراجع نفسك، قبل ما العنصرية تدمّرك
لو تقدري تغيّري شي واحد في المجتمع بخصوص العنصرية، ماذا راح يكون؟
لو بيدي أغيّر شي، أتمنى المجتمعات تتخلّى عن العنصرية تمامًا، لأن لو الناس عاشت بدون تمييز، بنصير شعوب متطوّرة، متكاتفة، وفي قمة الرقي. شوفوا بريطانيا مثلًا، أنا عشت هناك، وما شفت عنصرية لا بين أديان ولا جنسيات ولا حتى بين رجل وامرأة. في رمضان يزينون الشوارع بـ”عيد مبارك” بكل احترام وتقدير، وتشوف وزراء من أصول باكستانية مسلمة، عادي، لأنهم فهموا المعنى الحقيقي للإنسانية: الحب، الأخلاق، والوحدة. هذي المجتمعات اللي تبني وتعطي وتعيش بسلام.
ماذا تتمنى أن يفهمون الناس عن العنصرية بالضبط؟
أتمنى الناس يفهمون إن العنصرية هي أصل الشرور، هي الظلم بعينه، هي الباطل والظلام اللي يخلي القلوب تعيش في كره وحقد. العنصرية ما تبني، ما تطور، ما تقرّب الناس من بعض، هي بس تفرّق وتدمر. واللي يفكر إنه أفضل من غيره عشان لون، أصل، أو دين، فهو بعيد كل البعد عن الإنسانية وعن نور الحق. لازم نوقفها من جذورها ونزرع بدالها حب واحترام وعدل بين كل الناس.
صحيفة عكاظ اليوم ، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة السعودية، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار العالمية و المحلية، الاقتصاد، تكنولوجيا ، فن، أخبار الرياضة، منوعات و سياحة.