استشاري غدد صماء لـ ”اليوم“: خريطة أمراض الأطفال تغيرت.. والسمنة وقصر القامة في الصدارة
في وقتٍ تتسارع فيه إيقاعات الحياة وتفرض التكنولوجيا والوجبات السريعة حضورها على يوميات الأطفال، تزداد المخاوف من انعكاسات ذلك على صحتهم الجسدية والنفسية.
من السمنة وقِصر القامة إلى اضطرابات النوم وضعف التحصيل الدراسي، باتت جميعها تُشكِّل هواجس تؤرق الأسر وتثير قلق المختصين.
لمناقشة هذه التحديات وتقديم رؤية طبية وعملية، التقت «اليوم» أستاذ واستشاري غدد الصماء وسكري الأطفال بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، البروفيسور عبدالمعين عيد الأغا، الذي قدَّم تشخيصاً دقيقاً لواقع صحة الأطفال اليوم، مؤكداً أن التوازن هو سر جودة الحياة.. وإلى الحوار:
• بداية.. ما أبرز التحديات التي تواجه صحة الأطفال في زمننا هذا؟
التحديات اليوم متسارعة ومعقدة، تبدأ من أنماط الحياة غير الصحية مثل قلة الحركة والاعتماد المتزايد على الأطعمة الجاهزة، وصولاً إلى التعرض لضغوط نفسية واجتماعية بسبب التغيرات التكنولوجية والمجتمعية. وللأسف، ضعف الوعي الصحي لدى بعض الأسر يزيد من حجم المشكلة، فهناك من لا يدرك أن العادات الصغيرة، مثل إهمال النوم أو الإفراط في استخدام الأجهزة الذكية، تتراكم آثارها لتُشكِّل مشكلات جسدية ونفسية كبيرة على المدى الطويل.
• كيف تنظرون إلى مشكلة السمنة لدى الأطفال وما تحمله من أبعاد؟
السمنة من أخطر التحديات التي نواجهها اليوم، فهي لا تتوقف عند زيادة الوزن فقط، بل ترتبط بأمراض مزمنة كالقلب والسكري المبكر، إضافة إلى آثارها النفسية والاجتماعية. الطفل البدين قد يتعرض للتنمر ويعاني من العزلة وضعف الثقة بالنفس. والحل يبدأ من الأسرة عبر تشجيع النشاط البدني اليومي وتبنّي نظام غذائي متوازن، وتجنب ربط الطعام بالمكافأة أو العقاب. المدرسة أيضاً شريك أساسي من خلال تنظيم الأنشطة الرياضية وتوعية الطلاب بأسلوب مشوّق.
• الأجهزة الذكية أصبحت خير جليس للأطفال.. ماذا عن انعكاساتها السلبية؟
رغم أن التكنولوجيا وسيلة مهمة للتعليم والترفيه، إلا أن الإفراط في استخدامها يحوّلها إلى نقمة. فهي تعزل الطفل عن أسرته وأصدقائه، وتضعف مهاراته الاجتماعية، وتؤثر على تركيزه. أما من الناحية الصحية، فهي تسبب ضعف النظر، وآلام الرقبة والظهر، واضطرابات النوم. لذلك لا بد من تحديد أوقات الاستخدام بشكل معقول، وتوجيه الطفل نحو استخدام هادف ومنضبط.
• ما دور الأسرة في تعزيز الوعي الصحي لدى الأبناء؟
الأسرة هي حجر الأساس. الطفل يتعلم بالملاحظة أكثر من التوجيه المباشر. حين يرى والديه يمارسان الرياضة، ويتناولان طعاماً صحياً، وينظمان وقت نومهما، سيقلدهم تلقائياً. لذلك لا يكفي أن نوجّه الأبناء بالكلام فقط، بل أن نكون نحن القدوة لهم. التغيير يجب أن يبدأ من داخل الأسرة، ومن ثم يترسخ عند الأبناء كقيمة طبيعية في حياتهم.
• مع كثرة الضغوط والتحديات، كيف يمكن الحفاظ على الصحة النفسية للأطفال؟
الصحة النفسية لا تقل أهمية عن الجسدية. الطفل السعيد نفسياً أكثر قدرة على التعلم والنمو. بعض الأسر تركز على الدرجات والتحصيل الدراسي وتهمل الجانب العاطفي، وهذا خطأ كبير. يجب أن نتيح حواراً مفتوحاً مع أبنائنا، نصغي لهم بلا حكم ولا تقليل من مشاكلهم. الدعم العاطفي، وتشجيع الطفل على ممارسة هواياته والاندماج في أنشطة اجتماعية، كلها عناصر تمنحه التوازن النفسي المطلوب وتحميه من القلق والاكتئاب لاحقاً.
• كيف تؤثر الأجهزة الذكية على النوم والتحصيل الدراسي؟
الدراسات تؤكد أن استخدام الأجهزة قبل النوم يقلل إفراز هرمون الميلاتونين المسؤول عن تنظيم النوم، ما يؤدي إلى الأرق وصعوبة الاستيقاظ. وهذا ينعكس مباشرة على التركيز والتحصيل الدراسي. الطفل الذي يسهر أمام الشاشة لن يستطيع تقديم أفضل ما لديه في المدرسة. لذلك أنصح الأهالي بعدم التساهل في هذا الجانب، فالنوم المنتظم ليس رفاهية، بل ضرورة للنمو العقلي والجسدي.
• ما هي العلاقة بين الإفراط في استخدام الأجهزة واضطرابات النوم؟
هناك علاقة بين الإفراط في استخدام الأجهزة واضطرابات النوم أو السمنة، إذ إن تجاوز ساعات استخدام الأجهزة ليلاً يؤدي إلى مشاكل عديدة، منها حدوث اضطرابات النوم. كما أن من المشاكل التي بدأت تظهر على الأطفال قصر النظر والسواد تحت العينين، وكل ذلك بسبب السهر الطويل أمام الأجهزة. أما ما يتعلق بالسمنة فهذا صحيح، والسبب الجلوس الطويل المستمر في مكان واحد دون حراك، وأيضاً عدم ممارسة أي نشاط رياضي. والسبب الرئيسي وراء كل ذلك هو اتباع نمط غذائي غير صحي كالاعتماد على تناول الوجبات السريعة المليئة بالدهون والسعرات الحرارية وزيادة استهلاك المشروبات الغازية، وكل ذلك يمهّد تدريجياً لزيادة الوزن. ومع مرور الوقت قد يؤدي الأمر إلى الإصابة بمقاومة الإنسولين، وفي حال عدم تصحيح هذه المرحلة قد يصل الأمر إلى الإصابة بالسكري من النوع الثاني المرتبط بالسمنة.
• ما الأسباب الشائعة لقِصر القامة عند أبناء هذا الجيل؟
قِصر القامة له عدة أسباب؛ أهمها الوراثة، وسوء التغذية، وقلة النوم المبكر، إضافة إلى قلة النشاط البدني. ولا ننسى أثر الوجبات السريعة التي تفتقر للعناصر الأساسية لبناء العظام. بعض الحالات قد تكون مرتبطة بخلل هرموني أو أمراض مزمنة، لذا تحتاج إلى متابعة طبية دقيقة. لكن في كثير من الحالات، مجرد تغيير نمط الحياة يساعد على تحسين النمو.
• ماذا يعني اتباع نمط حياة صحي لدى الأبناء؟
• النمط الصحي يعني التكامل والموازنة بين الغذاء السليم، والنشاط البدني، والصحة النفسية، والنوم الكافي. يبدأ من وجبة الإفطار الصحية، مروراً باللعب أو الرياضة اليومية، وانتهاءً بوقت نوم منتظم. كما يشمل تعزيز العلاقات الاجتماعية والتواصل الأسري، لأن الصحة النفسية جزء لا يتجزأ من الصحة العامة.
• ما هي أضرار ابتعاد الأطفال عن الفواكه واهتمامهم بالوجبات السريعة؟
إن الفواكه تحتوي على فيتامينات مهمة مثل فيتامين C الذي يقوي المناعة ويساعد على امتصاص الحديد، وفيتامين A الذي يشكّل أهمية لصحة البصر والجلد، إضافة إلى معادن مثل البوتاسيوم والمغنيسيوم. وبجانب ذلك، فإن دورها في تعزيز المناعة كبير لكونها غنية بمضادات الأكسدة، مما يساعد في مواجهة الأمراض. كما أن احتواءها على الألياف يسهم في تسهيل عملية الهضم ومنع الإمساك، ويعزز الشعور بالشبع والتحكم في الوزن. إضافة إلى ذلك، تمد الجسم بالطاقة لوجود سكريات طبيعية مثل الفركتوز، مما يمنح الأطفال طاقة صحية دون الحاجة إلى السكريات المصنَّعة، بجانب فوائد صحية عديدة لا يمكن حصرها.
• مع انتشار الوجبات السريعة، كيف نواجه هذه الظاهرة؟
المواجهة تبدأ من البيت. لا بد أن نوفر بدائل صحية يحبها الأطفال، مثل أطعمة ملونة وجذابة مليئة بالخضار والفواكه. من الخطأ أن نُظهر الطعام الصحي كعقاب. التوعية منذ الصغر ضرورية، إلى جانب دور الإعلام في تصحيح الصورة الذهنية التي تربط الوجبات السريعة بالسعادة والمرح. المطلوب أن يدرك الطفل أن الطعام الصحي ممتع ومفيد في آن واحد.
• أخيراً، ما رسالتكم لجيل اليوم؟
رسالتي للأبناء أن الصحة هي كنز العمر، فلا تهملوها. اجعلوا الرياضة جزءاً من يومكم، واهتموا بالنوم المبكر، واشربوا الماء أكثر من أي مشروبات أخرى. قللوا وقت الأجهزة، وأعطوا العائلة والدراسة وقتاً أكبر. وتذكروا أن التوازن سر السعادة، وأن السعادة الحقيقية تبدأ من جسد سليم وعقل مرتاح.
صحيفة عكاظ اليوم ، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة السعودية، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار العالمية و المحلية، الاقتصاد، تكنولوجيا ، فن، أخبار الرياضة، منوعات و سياحة.