محمد منيع أبو زيد – يكتب: “التفاحة والبصلة.. الحقيقة خلف القناع”

قد تلتقط عينك صورة غريبة لتفاحة خضراء شهية، لكن ًحينما تُقطع، يظهر في داخلها قلب من بصل بنفسجي لاذع. للوهلة الأولى قد تضحك أو تستغرب، لكن سرعان ما تكتشف أن هذه الصورة ليست مجرد مزحة فوتوغرافية؛ بل هي اختصار لحكمة عميقة: المظاهر تخدع، والحقيقة في الداخل.

الحياة مليئة بهذا المشهد. نرى وجوهًا براقة، كلمات منمقة، عبارات أنيقة، لكنها تخفي خلفها قلوبًا مثقلة، نوايا خفية، أو حقائق مرة. وكما أن التفاحة المليئة بالبصل تُصيبك بصدمة التوقع، فإن العلاقات الإنسانية والمجتمعات والأنظمة قد تفعل الأمر ذاته

المظهر… أول خيط في وهم الحقيقة

الإنسان كائن بصري بطبيعته، ينجذب إلى ما تراه العين قبل أن يحكم العقل. حين نرى الجمال، تترسخ في أذهاننا صورة مثالية مرتبطة بالصدق والطيبة، بينما حين نرى القبح، نربط بينه وبين الشر أو الخداع. وهذه إحدى أكبر فجوات الإدراك: الجمال ليس دليلًا على الخير، كما أن القبح ليس دائمًا قرين الشر.

يقول الفيلسوف نيتشه: “الناس لا يرون الأشياء كما هي، بل كما ينعكسون فيها.” أي أننا لا نحكم على الواقع بما هو عليه، بل بما يعكسه في دواخلنا. وهذا يفسر لماذا نقع مرارًا في خدعة المظهر

التفاحة في يدك… لكنها بصل في قلبها

تخيل أنك التقطت تفاحة لامعة، لذيذة الشكل، وضعتها بثقة في حقيبتك، ثم اكتشفت عند تقشيرها أن الداخل ليس كما توقعت. هذا المشهد البسيط يتكرر في:

  • صديق بدا وفيًا لكنه خان عند أول اختبار.
  • زميل عمل ساعدك في العلن لكنه حفر لك حفرة في الخفاء.
  • قريب ضحك في مجالسك لكنه حمل لك الضغينة.
  • علاقة حب ملأت حياتك وعودًا ثم فجّرت قلبك بخيانة صادمة.

الحياة لا تصدمنا بالعدو الذي يظهر العداء صريحًا، بل تصدمنا بالتفاحة التي خبأت بصلًا في داخلها

القشرة لا تروي القصة

القشرة خادعة. كل ما نراه في البداية ليس سوى غلافًا؛ قد يكون الغلاف مطليًا بالذهب أو مزخرفًا بالورود، لكنه لا يُعبّر عن الجوهر. الأخطر من القبح الظاهر هو الجمال الزائف، لأنه يغلق أبواب الحذر ويجعلنا نفتح قلوبنا بلا دفاع.

الحياة علّمتنا أن الأخطر ليس السكين التي تراها موجهة نحوك، بل اليد التي تربت على كتفك بينما تخفي وراء ظهرها خنجرًا

البصلة: طبقات النفس البشرية

البصلة رمز فريد للنفس الإنسانية؛ فهي مكونة من طبقات متراكبة، وكلما قشرت طبقة ظهرت أخرى تحتها. كذلك الإنسان: لا يُكشف جوهره من أول نظرة، بل عبر التجارب والاختبارات والمواقف.

  • طبقة الابتسامة.
  • طبقة الكلمات الجميلة.
  • طبقة الأفعال اليومية.
  • طبقة المواقف الصعبة.
  • طبقة الأزمات التي تفضح المعدن.

من يظن أنه يعرف شخصًا من أول لقاء، كمن يظن أن البصلة تُعرف من قشرتها

لماذا نخدع؟ الجانب النفسي والاجتماعي

الجواب يتوزع بين عاملين:

  1. نفسي: الدماغ يربط الجمال بالصدق، والهدوء بالثقة، فيسقط في خطأ إدراكي.
  2. اجتماعي: المجتمع يكرّس ثقافة “المظاهر”. نحتفي بالثياب، المناصب، الكلمات الرنانة، أكثر مما نحتفي بالفعل الحقيقي.

هكذا نصبح سجناء لثقافة السطح، ونُعيد إنتاجها في كل جيل

أمثلة من الواقع

  • في الإعلام: كم من وجوه براقة تخفي فسادًا، وحين تنكشف الحقائق نصاب بالذهول.
  • في التجارة: كم من منتجات زُيّنت بالإعلانات، بينما حقيقتها لا تختلف عن السراب.
  • في العلاقات: كم من زيجات بدأت بالوعود والورود وانتهت بالدموع والانكسار

الازدواجية: مأساة العصر الرقمي

لم يعد النفاق حكرًا على العلاقات المباشرة، بل صار صناعة بحد ذاته عبر وسائل التواصل. نصنع صورًا مثالية لأنفسنا، نبتسم أمام الكاميرا، نعرض نجاحاتنا وإنجازاتنا، بينما نخفي التعب، الانكسارات، الدموع.

هكذا تحولت حياتنا الرقمية إلى سوق للتفاحات اللامعة، لكن الداخل في الغالب هش، مبلل بدموع البصل

الحكمة ليست في الشك المطلق… بل في البصيرة

البعض حين يكتشف خداع المظاهر يتحول إلى شخص متشائم، عديم الثقة، لا يرى في الناس سوى الشر. وهذا خطأ آخر.

الحكمة ليست أن نشك في كل شيء، بل أن نوازن بين الثقة والحذر. أن نفرح بالجمال، لكن دون أن نستسلم له. أن نحب، لكن بوعي. أن نثق، لكن مع اختبار

كيف نحمي أنفسنا؟

  1. التريث: لا تُسلم قلبك أو قرارك لوهلة أولى.
  2. الامتحان: لا تثق إلا بعد أن تختبر بالمواقف، فالمواقف تكشف ما تخفيه الأقنعة.
  3. القلب السليم: القلب حين لا يغشاه هوى ولا مصلحة، يرى ما لا تراه العين.
  4. الزمن كاشف: لا تستعجل الحكم على الناس، فالزمن وحده يقشر البصلة حتى آخر طبقة

البصيرة: أعظم سلاح ضد الخداع

البصيرة ليست مجرد مهارة، بل هي هبة تُولد من التجارب والألم والتأمل. من مرّ بالخداع يتعلم أن يزن الناس بما يفعلون لا بما يقولون. من تذوق مرارة الخيانة يكتشف أن أجمل الوجوه قد تخفي أقسى الخناجر.

البصيرة هي “العين الثالثة” التي ترى ما وراء المظاهر، وتشم رائحة البصل حتى قبل أن تُقطع التفاحة

بين الحلاوة والدموع

الحياة مزيج بين التفاح والبصل: لحظات حلاوة وطمأنينة، ولحظات دموع وانكسار. وجوه تُنير لك الدرب، ووجوه تخدعك ببريقها. لكن العاقل هو من يحوّل التجربة إلى درس، والجرح إلى بصيرة، والخديعة إلى قوة.

فلنُدرك أن أخطر ما في الدنيا ليس القبح الواضح، بل الجمال الكاذب.

وأن أنقى ما فيها ليس الجمال المصطنع، بل القبح الصادق الذي لا يخفي نفسه.

حين نعي ذلك، تصبح الصورة التي جمعت بين التفاحة والبصلة ليست مجرد صورة ساخرة، بل حكمة تختصر رحلة الإنسان: المظهر قناع… والجوهر حقيقة.

صحيفة عكاظ اليوم ، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة السعودية، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار العالمية و المحلية، الاقتصاد، تكنولوجيا ، فن، أخبار الرياضة، منوعات و سياحة.

اخبار تهمك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *