الأمن السيبراني بين الفلسفة والهوية.. والإنسان كأخطر ثغرة

حوار : محمد منيع أبو زيد

في زمنٍ تتسارع فيه الخوارزميات وتتضاعف فيه التهديدات الرقمية، لم يعد الأمن السيبراني مجرد أنظمة وبرمجيات، بل غدا ثقافة وطنية ورسالة إنسانية. ومع صعود الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي أصبح يكتب النصوص ويُنشئ الصور والأصوات بدقة مذهلة، يطرح السؤال الجوهري نفسه:

هل التقنية سلاح للبناء.. أم أداة للهدم؟

ضيفنا في هذا الحوار هو المهندس محمد هاشم البدرشيني، رئيس تقنية المعلومات وباحث في الأمن السيبراني، الذي يصفه البعض بـ “المثقف التقني” لأنه لا يكتفي بالأرقام والشفرات، بل يربط التقنية بالفكر والهوية. في هذا اللقاء نناقش معه العلاقة بين الإنسان والتقنية والمستقبل الرقمي، والحدود الجديدة للأمن الوطني

◼ الإنسان هو الحلقة الأضعف في الأمن السيبراني.. لكن برأيك، هل يمكن أن يأتي يوم تصبح فيه التقنية نفسها أخطر من الإنسان؟

🔹 التقنية ليست خطراً بحد ذاتها، بل انعكاس لطريقة استخدامنا لها. الإنسان هو من يبرمج الخوارزميات ويحدد وجهتها: إما للبناء أو للهدم. قد تصبح التقنية أكثر خطورة إذا مُنحت السلطة دون وعي إنساني أو ضوابط أخلاقية، لكنها تبقى أداة. الخطر الحقيقي يكمن فيمن يقودها

◼ في زمن الذكاء الاصطناعي، كيف يمكن للإنسان أن يحافظ على هويته دون أن يتحول إلى مجرد رقم في معادلة خوارزمية؟

🔹 الهوية لا تُصان بالتقنيات وحدها، بل بالوعي والثبات على القيم. إذا تحول الإنسان إلى “مستهلك رقمي” فقط، سيُختزل في بيانات وسجلات. أما إذا استثمر التقنية لبناء معرفة وإبداع ورسالة، فإنه يحافظ على هويته كقيمة مضافة لا يمكن محوها

◼ هل التقنية قادرة على إعادة تشكيل قيم الإنسان، أم أن القيم هي التي يجب أن تضبط حركة التقنية؟

🔹 التقنية لا تعيد تشكيل القيم، لكنها تكشف هشاشتها إن لم تكن راسخة. القيم الحقيقية مثل الصدق والعدل والأمانة لا تهزها أي خوارزمية. أما في غياب هذا الأساس، تصبح التقنية مجرد أداة تكشف الفراغ القيمي أكثر مما تخلقه

الأمن السيبراني كأمن وطني

◼ إلى أي مدى يمكن اعتبار الأمن السيبراني “حدوداً رقمية” يجب حمايتها مثل الحدود الجغرافية؟

🔹 الأمن السيبراني اليوم جبهة وطنية بامتياز. حدودنا لم تعد جغرافية فقط، بل هناك حدود رقمية تحمي اقتصادنا، تعليمنا، أسرارنا العسكرية، وحتى قيمنا وثقافتنا. اختراق هذه الحدود قد يكون أخطر من اختراق أرضية، لأنه يضرب الثقة من الداخل

◼ كيف يمكن للدول أن تحقق التوازن بين الانفتاح الرقمي الضروري للتنمية، وحماية أسرارها الوطنية من التهديدات؟

🔹 التوازن يتحقق عبر ثلاثية: تشريعات قوية، بنية تقنية متينة، ووعي مجتمعي واسع. الانفتاح دون حماية كارثة، والانغلاق الكامل يقتل التنمية. الذكاء أن تفتح الأبواب حيث يكون البناء، وتغلقها بإحكام حيث يكمن الخطر

◼ هل تعتقد أن الحروب القادمة ستكون سيبرانية بالكامل؟

🔹 الحروب المقبلة ستكون هجينة، لكن الكفة تميل للسيبرانية. السلاح الأخطر ليس الفيروسات التقنية فقط، بل “المعلومة المضللة”. قدرة دولة أو جهة ما على تفكيك ثقة الشعوب بمؤسساتها قد تكون أشد فتكاً من أي قذيفة

الذكاء الاصطناعي والتحولات الكبرى

◼ ما الاستخدام الأكثر خطورة للذكاء الاصطناعي التوليدي على المجتمعات؟

🔹 أخطر استخدام هو التزييف المقنع: نصوص، صور، وأصوات يصعب تمييزها عن الحقيقة. هذا يهدد الثقة بين البشر ويخلق فوضى معرفية

◼ إذا منحنا الذكاء الاصطناعي سلطة اتخاذ القرارات الأمنية، هل نكسب أماناً أكبر أم فوضى غير مسبوقة؟

🔹 الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون “مستشاراً” لا “حاكماً”. يمكن أن يساعدنا في تحليل البيانات واتخاذ قرارات أسرع، لكنه يفتقد الضمير والبعد القيمي. تسليم قرارات أمنية كاملة للآلة يعني التخلي عن إنسانيتنا

◼ كيف نوازن بين قوة الذكاء الاصطناعي وحماية الخصوصية الفردية والجماعية؟

🔹 الموازنة تحتاج إلى تشريعات صارمة ووعي مجتمعي متنامٍ. لا يمكننا منع التقنية، لكن يمكننا وضع حدود أخلاقية وقانونية تمنع استغلالها بشكل ينتهك كرامة الإنسان أو يفرغ المجتمع من خصوصيته

الثقافة والهوية

◼ في زمن المنصات الرقمية.. هل انتهى دور المثقف التقليدي؟

🔹 دور المثقف التقليدي تقلّص كثيراً. اليوم لا يكفي أن تكتب مقالاً أو تلقي محاضرة؛ يجب أن تفهم لغة المنصات الجديدة وآليات انتشار المعلومة. المثقف الذي يتجاهل التقنية يُقصي نفسه من التأثير

◼ هل التقنية تهدد الهوية الثقافية أم تكشف هشاشتها؟

🔹 أرى أنها تكشف الهشاشة أكثر مما تهدد. الهوية الراسخة قادرة على التكيف داخل أي بيئة رقمية، بينما الهوية السطحية ستذوب سريعاً لأنها لم تكن صلبة أصلاً

الشباب وصناعة المستقبل

◼ كيف يمكن تحويل شغف الشباب بالتقنية من مجرد بحث عن وظيفة إلى رسالة وطنية؟

🔹 عندما نغرس في الشباب فكرة أن التقنية ليست مجرد وسيلة للرزق، بل مشروع حضاري يخدم الوطن. الوظيفة قد تنتهي، لكن الرسالة تبقى. المطلوب ربط مهارات التقنية بالقيم الوطنية ليصبح الشاب صانعاً للمستقبل لا مجرد موظف

اللمسة الشخصية والاستشرافية

◼ بعد 20 عاماً، كيف تتخيل العالم إذا أصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً من كل قرار صغير وكبير في حياتنا؟

🔹 أتصور أن العالم سينقسم إلى قسمين: مجتمعات استوعبت التقنية وجعلتها وسيلة للنهضة، وأخرى تحولت إلى مجرد “مستهلك للبيانات”. الفارق لن يكون في كمية التقنية، بل في نوعية الوعي. المستقبل سيبقى بيد من يملك الوعي لا من يترك التقنية تحكمه

الخاتمة

الخطر الحقيقي ليس في الخوارزميات، بل في الغفلة.

الأمن السيبراني ليس تخصصاً تقنياً فحسب، بل ثقافة وطنية ورسالة إنسانية.

المستقبل لن تصنعه التقنية وحدها، بل إنسان واعٍ يعرف كيف يحافظ على قيمه وهويته، ويستخدم التقنية ليبني وطناً آمناً ومجتمعاً متماسكاً

صحيفة عكاظ اليوم ، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة السعودية، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار العالمية و المحلية، الاقتصاد، تكنولوجيا ، فن، أخبار الرياضة، منوعات و سياحة.

اخبار تهمك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *